الاسلام العصري من وجهة نظر

آية الله العظمى حسيني نسب

 

لمحات في الاسلام العصري

 

في الاسلام العصري ، تبتني الشريعة الاسلامية الغرّاء على أساس التطلّعات الانسانية المجيدة و القيم الالهية الرفيعة، التي هي خلاصة الدين الحنيف، و هي: العقل و العدل و الحريّة و المحبة و السماحة و الرحمة و المدراة و المواساة و مكارم الأخلاق و كرامة الانسان و الروحانية و سلطة القانون و مراعات حقوق الانسان و السلام الشامل و أمثالها من القيم الانسانية الشامخة. 

و مضافا على استقلالية العقل في استنباط حكم الشرع، يشكّل التطابق مع المباني الفطرية أهمّ المعايير في ادراك الأحكام الشرعية من مصادرها الفقهية الاخرى، أي: الكتاب و السنة.

و على هذا الأساس، فأي افتاء ينافي العقلانية و العدالة و حقوق الانسان و حرية الفكر و البيان و مكارم الأخلاق، فهو يعارض الاسلام، و يعتبر العمل به مخالفا للقيم القرأنية.

في الاسلام العصري ، لاتزال "جوهرة الدين" ثابتة و هي الناموس الالهي المقدّس، و في نفس الوقت، يتمّ تفسير الأحكام الشرعية العملية على مستوى العصر الراهن في اطار القيم الانسانية، كما أراد الشارع المقدّس مسئولية هداية الناس في زماننا الحاضر.

في الاسلام العصري ، يسترجع الدور الأساس للقواعد الفقهية العامّة في عملية الاستنباط، كقاعدة "لاضرر" و قاعدة "لاحرج" و قاعدة "الالزام" و قاعدة "التسلّط" و قاعدة " اللزوم" و "أصالة الطهارة" و "أصالة الصحة" و "أصالة الحلّية" و قاعدة "الحدود تدرء بالشبهات" و قاعدة "الضرورات تبيح المحذورات" و قاعدة "الزعيم غارم" و أمثالها من الضوابط الكليّة التي تمّ اندراجها في صميم الشريعة الاسلامية، و هي التي تضمن تطوّر الأحكام الشرعية على مستوى العصر الراهن.

في الاسلام العصري ، يعتبر القرأن الكريم كلام الله المجيد و خاتم الكتب السماوية و هو أهمّ مصادر الشريعة ، و لكن يجب أن يتمّ تفسيره بما يناسب حكم العقل السليم و متطلّبات الفطرة الانسانية و الانجازات العلمية الثابتة و أحاديث المعصومين – عليهم السلام – التي هي قطعية الصدور و بيّنة الدلالة و الموافقة للعقل و العدل و غيرهما من المباني الفطرية. و أيّ تفسير يكون منافيا لما يقتضيه العقل و الفطرة و مكارم الأخلاق و العدالة و البديهيات العلمية و انجازات العلوم القطعية فهو مرفوض.

في الاسلام العصري ، يتوقّف الاستناد بالروايات على الأمرين:

اولا: أن تتوفّر الشروط المثبتة لاعتبارها بحسب ما جاء في علوم الدراية و الرجال و اصول الفقه.

ثانيا: أن توافق القيم الانسانية الراقية التي تكمن في صميم الاسلام، كالعقلانية و العدالة و السماحة و مراعات حقوق الانسان و كرامته و بديهيات العلوم.

و على هذا الأساس، اذا وجد حديث ينافي القيم الانسانية فنعلم بأن تلك الرواية تفقد أهم الشروط في اثبات صدورها فهي تسقط من الاعتبار. و ذلك لأننا نعرف بأن الولاة المعصومين – عليهم السلام – لم يقولوا و لن يتحدّثوا بما يعارض العقل و العلم و الحكمة و العدالة و مقتضيات الفطرة الالهية و مكارم الأخلاق.

في الاسلام العصري ، تنقسم أبواب الفقه الاسلامي على الأقسام التالية:
الأبواب العبادية 
الأبواب الاقتصادية
الأبواب الاجتماعية
الأبواب الحكومية و أحكام مديرية المجتمع

القسم الرابع من الأبواب الفقهية الاسلامية و هو ما يتعلّق بالحكومة و ادارة المجتمع الاسلامي فهو عرضة للتطوّر و التغيير. كثير من مباحث أبواب القضاء و الشهادات الحدود و القصاص و الديات و الجهاد و أمثالها هو ما تمّ تشريعه في الصدر الأول من الاسلام بما كان يناسب ذلك العصر و مقتضيات تلك الفترة من الزمان و يمكن تطويرها و تغييرها بما يناسب عصرنا الراهن في اطار القيم الانسانية و ما تقتضيه مستجدّات الزمان و المكان مع مراعات القواعد الفقهية العامّة.

السيرة العملية للأئمّة المعصومين – عليهم السلام – في تعديل و تغيير نبذة من الأحكام الحكومية دليل على هذا الأصل الأساس. و سوف نشير الى نماذج منها في طيّات هذا الكتاب انشاء الله.

في الاسلام العصري ، يجب أن تكون عملية التنمية و تطوير المجتمع شاملا و جامعا لجميع أبعادها من التنمية السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، مع مراعاة التوازن بينها في مراحل التصميم و التنفيذ.

في الاسلام العصري ، يبتني النظام الاقتصادي على أساس التوازن بين "التنمية الاقتصادية" و "العدالة في التوزيع". و الهدف الأسمى هو القضاء على الفقر و توسيع الازدهار للمجتمع و استيفاء حقوق الضعفاء، متضامنا مع التنمية الاقتصادية. و ذلك لأن الفارق الشاسع بين الفقير و الغني يؤدّي الى انهيار النظام الاجتماعي.

في الاسلام العصري ، يجب أن تتأسس الحكومة علي أسس الديمقراطية و الجدارة و العدالة و السماحة و المداراة و العقلانية و الاستقلال و الحريّة و مراعاة القانون و كرامة الانسان و حقوقه و مسؤولية الحكّام أمام الناس و مساواة المواطنين أمام القانون و تلبية الاحتياجات الملحّة للفئات الضعيفة في المجتمع.

و اذا لم تتوفّر هذه الشروط فعلى مؤسسة "الدين" أن تفصل نهجها من مؤسسة "الدولة"، للحفاظ على صيانة الدين و كرامة الشريعة من صدمة السقوط و عاصفة الاضمحلال.

في الاسلام العصري ، تسير المرأة جنبا الى جنب مع الرجل في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و الفرصة متاحة لها للوصول الى مقام الولاية العظمى و تصدّي زعامة الامّة و ادارة البلاد و المرجعية الدينية، اذا تتوفّر لها الشروط الازمة. 

 

كتاب "الاسلام العصري" بالفارسية